كانت الخيارات التي فكر بها هيرتزل الصهيوني في نهايات القرن التاسع عشر بأن تكون وطن لليهود، سيناء أوغندا مدغشقر وغيرها، خيارات بعيدة عن أرض فلسطين التي ذكرت في العقيدة اليهودية على أنها أرض الميعاد.
والصهيونية كونها حركة علمانية لم يكن يهمها موقع هذا الوطن فالمهم قطعة أرض. لكن مساعي هيرتزل باءت في الفشل. وطرحت عليه فلسطين التابعة للدولة العثمانية.
حيث قام بزيارة لدولة الخلافة وعرض على السلطان عبد الحميد الثاني تسديد ديون الدولة بالإضافة إلى مبلغ خاص للسلطان. فكان رد السلطان عبد الحميد قوله المشهور ( لا أستطيع أن أتنازل عن شبر واحد من الأراضي المقدسة لأنها ليست ملكي، بل هي ملك شعبي وقاتل أسلافي من أجل هذه الأرض ورووها بدمائهم فليحتفظ اليهود بملايينهم ،إذا مزقت دولتي من الممكن الحصول على فلسطين بدون مقابل ولكن لزم أن يبدأ التمزيق أولا في جثتنا) وبالفعل بدأ اليهود منذ ذلك الحين بخلخلة الخلافة العثمانية من خلال المخططات والدسائس وتم الاستيلاء على أرض فلسطين.
هيرتزل الذي تأثر بالفكر النتشيوي حيث فكرة ( الإنسان الأعلى) عنده، فقد كان يرى أن الأخلاق إنما جعلت للضعفاء وأن كل فضيلة في القوة وكل رذيلة في الضعف.
وهنا يقول عبد الوهاب المسيري في كتابه العلمانية الجزئية والعلمانية الشاملة (أن البعد النتشوي في الفكر الصهيوني بعد أساسي). والصهيونية أيديولوجية أرادت تجميع يهود الشتات الذين يؤمنون بأخلاق الضعفاء وحولتهم إلى وحوش مفترسة تحسم كل القضايا بالقوة.
ومن هنا فإن الصهيونية العلمانية تؤمن بأن الإنسان الأعلى هم اليهود والإنسان الأسفل هم العرب وهنا يحق من وجهة نظرها للأعلى أن يدوس الأسفل بكل الطرق المتاحة لتجعله الأعلى دائما. ولقد رأينا انعكاس هذه المرجعية من خلال المذابح التي ارتكبها الصهاينة في فلسطين في ٤٨ للحصول ذلك الوطن المزعوم حيث تحققت مساعي الصهيونية في إقامة دولة حديثة.
لكن ما الذي يجعلها بعد حرب ٦٧ توسع حدود دولة الاحتلال؟ حيث أعاد هذا التوسع إلى أذهان اليهود ما تسمى “بارض إسرائيل الكاملة” وبهذا يكون اليهود بما فيهم الصهاينة قد عملوا على تنحية الصهيونية العلمانية جانبا.
وقد غمرت الفرحة حينها شريحة المتدينين منهم والذين يؤمنون بأرض فلسطين الكاملة. وهنا برزت حركة (غوش إيمونيوم) المتعصبون وتحالفت مع الحركة العلمانية ( أرض إسرائيل كاملة) لإقامة حركة استيطانية في المناطق العربية المحتلة.
وبهذا تكون العقيدة اليهودية قد دخلت للسياسة اليهودية والنتيجة إبرام الحلف مع العلمانيين مؤيدي الاستيطان والذين أصبح عددهم لا بأس به في حزب العمل الحاكم آنذاك حيث كان المغزى من وراء ذلك تحريك الجهاز السياسي اليهودي يمينا نحو التعصب القومي وبالتالي ما يسمى بالتعصب الديني..فأين الحركة الصهيونية العلمانية ؟؟
وما تفعله اليوم دولة الاحتلال في حربها على غزة منذ ٧/ أكتوبر ٢٠٢٣ بقيادة رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو. هل يحمل أسباب التوسع وعقد النية على الاستيلاء عليها وبالتالي تنحية المتبقي من صهيونتهم العلمانية ولم يتبقى منها سوى جزءها النيتشوي؟ وتبقى الأسئلة مطروحة على على ساحة المعركة.