يمتد الاستيطان الصهيوني على أرض فلسطين التاريخية منذ الربع الأخير من القرن التاسع عشر مرورا بفترة الانتداب البريطاني وصولا إلى هذا اليوم.
وقد شدد القائمون على هذا المشروع على العلاقة بين الشعب والأرض،لأن تأكيد هذه العلاقة عند المهاجرين اليهود كانت ذات أهمية بالغة لنجاح المشروع الصهيوني.
فعندما اشترى أثرياء اليهود أمثال( موشيه منتفيوري والبارون روتشيلد) أخصب أراضي فلسطين مثل مرج ابن عامر من عائلة سرسق اللبنانية ،أطلقوا على عملية الشراء تخليص الأرض.بمعنى أن هذه الأرض كانت لهم واليوم استرجعوها ،فأضفوا عليها المعنى الديني الوارد في تلاميدهم وتوراتهم. بالإضافة إلى منح هذه العملية البعد القومي.
وحتى تقوى صلة هذا الشعب المستورد من شتات الأرض بأرض فلسطين اتبعت سياسية تغيير هوية الأرض،فبدأت بمحو أسماء القرى العربية واستبدالها بمسميات وردت في كتبهم آنفة الذكر. لكن مساعي الحركة الصهيونية بتهويد فلسطين ارتطمت بوجود الشعب الفلسطيني المتجذر في أرضه منذ آلاف السنين.
فما كان من القائمين على الحركة إلا أن بدأوا بتزييف الحقائق بهدف إقصاء أصحاب الأرض عن دائرة أرضهم وقطع أي صلة لهم بها، فقالوا أن الشعب الفلسطيني شعب جاء من الجزيرة العربية ومصر وغيرها وأن لا صلة لهم بهذه الأرض.
لكن ما هي الأهداف من وراء عملية الاستيطان؟
إن للاستيطان على أرض فلسطين عدة أهداف ،منها أهداف أمنية تهدف إلى توفير حزام حول المدينة المحتلة من هجمات الفلسطينيين. وأهداف ديمغرافية حيث أن بناء المستوطنات يهدف إلى استيعاب أكبر عدد من السكان اليهود وفي المقابل عدد أقل من السكان العرب.
وأهداف دينية وذلك من خلال طمس المعالم الإسلامية بما فيها هدم المسجد الأقصى وقبة الصخرة ثم إقامة الهيكل الثالث. بالإضافة إلى أهداف سياسية واقتصادية.
ويعد بناء المستوطنات كما جاء في القانون الدولي خرقا للقانون الدولي والمواثيق الدولية والقانون الدولي الإنساني في الحرب والسلم وخرقا لحقوق الإنسان المتعارف عليها بموجب القانون الدولي.
فعلى سبيل المثال لا الحصر لنأخذ مستوطنة ( معاليه أدوميم) وهي مستوطنة يهودية في الضفة الغربية مقامة على أجزاء كبيرة من أراضي بلدتي العيزرية وأبو ديس الفلسطينيتين وتقع على بعد ٧ كم شرق مدينة القدس.
فقد نشرت منظمة ( بتسيلم) في عام ١٩٩٩ تقرير(منحدر الضم) الذي تركز في انتهاكات حقوق الإنسان الناتجة عن (معاليه أدوميم) وتوسيعها ،وتركز التقرير في طرد العرب البدو من قبيلة الجهالين، بالرغم من هذا التقرير إلا أن دولة الاحتلال قد زادت تبجحا فقررت إقامة جدار فاصل ومترابط بغرض الدفاع عن السكان المستوطنين من الفلسطينيين بعد اندلاع الانتفاضة الثانية عام ٢٠٠٠. والجدير بالذكر أن الجدار الفاصل يمر في غالبيته داخل الضفة الغربية وليس على الخط الأخضر.
ومن المفترض بالمسار المقرر في منطقة (معاليه أدوميم) أن يبقيها والمستوطنات الصغيرة المحاذية لها( كفار أدوميم، أكيدار،نوفي برات،وألون) في الجانب اليهودي العازل من خلال تقطيع أوصال الضفة الغربية وصنع فاصل بين قسمها الجنوبي والشمالي وبالتالي عزلهما وإضعافهما.
واليوم وتزامنا مع الحرب على غزة ٢٠٢٣_٢٠٢٤ نجد دولة الاحتلال تكثف من عمليات البناء بجنون لزيادة عدد المستوطنات العشوائية والطرق المؤدية إليها بشكل غير مسبوق في الضفة الغربية ،وذلك استنادا إلى تقرير جديد نشرته منظمة ( السلام الآن) العبرية حيث قالت المنظمة أن الحرب المستمرة منذ ٣ أشهر يستغلها مستوطنون لتثبيت حالة أمر واقع على الأرض وبالتالي السيطرة على مساحات أكبر من المنطقة. وكأن هذه الدولة باتت تعاني من متلازمة الاستيطان مع شعورها باقتراب خطر النهاية.