مقدمة لرواية “الصائل” للكاتب محمد سرسك
عندما يهدم الصائل جدران الوطن ليشيد بها وطنا له، فلا بدّ أن يقف الوعي له بالمرصاد ،يجوب أرض الوطن بحثا عن حلّ لغز هذا الصائل الهدام الذي حلّ ضيفا على أرض الأهل البسطاء.
عماد هو الوعي المرجو الذي سعى محمد سرسك إلى استعادته من الماضي وإسقاطه على الحاضر لأن هذا الحاضر يجرنا نحو المستقبل. وسرسك أراده حاضرا مدركا لما حصل ولا زال يحصل فكأنه أراد أن يجنب المستقبل ويحصنه من هذا الصائل عن طريق تقويم الأوضاع الراهنة اعتمادا على نقد تجارب الماضي.
وقد بدا واضحا منذ الصفحات الأولى للصائل القلق والرغبة عند محمد سرسك في توجيه جديد لمسار التاريخ ربما رغبة منه في نقضه وإعادة نسج خيوطه من جديد ليتحاشى المصيبة التي وقعت بضياع فلسطين كما ذكرنا.
الصائل عمل سردي لحقبة من تاريخ فلسطين تمتد من نهاية القرن التاسع عشر أي نهايات الحكم العثماني وحتى بداية العقد الثالث من القرن العشرين اي بدايات الانتداب البريطاني بطريقة تداخلت فيها شخصيات حقيقية وأخرى متخيلة سعى الكاتب من خلالها أن يكون أمينا في توثيق الأحداث التاريخية ولأن سرسك التزم بالأمانة العلمية والدقة في استخدام التاريخ فقد غلب على روايته أسلوب التقرير.
وقد أسس عالمه محللا ومؤولا لعلاقات اجتماعية وإنسانية بحواراته الداخلية والخارجية بهدف استنطاق التاريخي وفضاءاته نابعا من رؤيته التي نقلت التاريخ إلى وجود متحرك فقدم وصفا دقيقا للحياة الفلسطينية في هذه الحقبة بكل ما تعتريها من هزات نفسية ومحن إنسانية من حيث شظف العيش وهم تأمين لقمة العيش. وحيث أن سرد أحداثا معينة ووقائع من التاريخ يعد نوعا من التوثيق لزمن ما فالصائل تعد رواية توثيقية.
ولأن كتابة التاريخ روائيا تشترط ثقافة واسعة بالاحداث التاريخية وتحكم في آليات تفاعل النصوص ،اي أن المطلوب في المؤدى جانب موسوعي وجانب إبداعي ليولد نوعا جميلا بشكله ذكيا في تمرده كانت رواية الصائل بحلتها التي بين أيدينا تاريخية بين التوثيق والخيال..