رواية أرض الميعاد يوري كوليسنيكوف
تأتي أهمية هذه الرواية لا من قيمتها الأدبية بل من قيمتها التاريخية.. تتناول قصة اليهودي حاييم فولديتير الذي هاجر قبل قيام “إسرائيل” من روسيا إثر انتشار الحركة الفاشية والتي كانت من ضمن الأسباب التي أدت إلى هجرة أعداد كبيرة من اليهود إلى أرض الميعاد متأثرين بالدعاية الصهيونية آملين بالحصول على اللبن والعسل والسلام. وقد رافقت فولديتير أحداث كثيرة من تحطم السفينة التي سافر عليها على شواطئ قبرص إلى عثور الرهبان عليه وإصابته بمرض التيفوس إلى الفتاة التي قامت على رعايته وكانت يونانية صماء بكماء من غير ملته إلى عرضه الزواج عليها بعد أن شفي وأغرم بها. وأخيرا السفر إلى أرض الميعاد ليرتطم هناك بالواقع الحقيقي حين يكتشف بأنه بين قطيع من الذئاب وهو الغريب بينهم،أرض الميعاد التي صورتها الصهيونية كجنة والتي ستجنبه خطر الاعتقال الفاشي الذي كان يتهدده اكتشف بأنها وهم وأنه وكثيرون هم ضحايا خداع خطير .
كان فولديتير من المتطوعين في ما يعرف بالاكشارا نيابة عن شخص اسمه سلمونزون بدافع العوز والحاجة ولم يكن الدافع المشاعر الوطنية السامية حيث كان مبعوثوا الجمعيات الصهيونية يسلطون دعايتهم على هؤلاء المتطوعين من أبناء الأسر الفقيرة فيوحون إليهم بأن الواجب الوطني السامي هو أن يشارك في إقامة هذا الوطن وقد كانت طبيعة العمل عبارة عن تدريب عملي زراعي في مزارع كبيرة بأداء جميع الأعمال الزراعية. وكان الصندوق اليهودي الذي يعرف بالفوج يتكفل بمن يكمل تدريباته بالحصول على شهادة سفر والتأشيرة التي تخوله حق التوطن في فلسطين. ولم يكن فولديتير قد التقى بسلمونزون أبدا. يطلع فولديتير من خلال عمله في مكتب الاستيراد والتصدير في فلسطين والعائد إلى سلمونزون على الكثير من القضايا والأحداث المهمة ويكتشف أن كل شيء هنا قام على مبدأ ميكيافللي. يكتشف بأنه متورط مع سلمونزون ومندوبي الوكالة اليهودية المتآمرين مع النازية وعصابة شتيرن . ويكشف الاتفاق المضمر للعصابة المنشقة ظاهريا عن عصابة الهاجاناه والتي عرفت باسم إرجون تسفاي ليومي وهي المجموعة الأكثر عدوانية والتي تبنت أعمال التخريب والإرهاب وتهريب الأسلحة عبر مينائي حيفا ويافا والمفاجأة التي يكشف عنها المؤلف بأن هذه الأسلحة مصدرها ألمانيا النازية. كما ويزيل الستار عن العلاقات الصهيونية بالدول الفاشستية ودعمها لليهود لإقامة دولتهم.
وتكشف لنا الرواية عن الاتفاقية ذات الأهمية العالمية الضخمة التي تمت بين الصهونية والنازية وهنا يلمح إلى اتفاقية 1933 حينما زار إيخمان من الرايخ الثالث فلسطين لاتمام هذه الاتفاقية التي كانت المصالح فيها مشتركة بين الصهيونية والنازية حيث تستفيد ألمانيا إنشاء طابور خامس بمساعدة رجال المفتي أما الصهاينة فقد كانوا يتحرقون لتقريب اليوم الذي سيتحدثون فيه مع الإنجليز بلغة المدفع والرشاش وذلك منذ أن بدأت بريطانيا تضع قيودا على الهجرة الجماعية لليهود من خلال الكتب البيضاء..
وكان من نتائج الاتفاقية أن قررت النازية البدء بإعداد الهجرة الجماعية لليهود من الرايخ وإرسال الأسلحة إلى فلسطين،تلك الهجرة الجماعية التي قال عنها بن غوريون لولا الهجرة الجماعية ما كانت هذه الدولة ستقوم.. ونجد في هذه الوثيقة الكثير من الأحداث والإسقاطات المهمة في تاريخ فلسطين والصهيونية والتي يطول شرحها.
رواية مهمة أنصح بها وبشدة..