حين ظنوا أن الحكاية انتهت كانت قد ابتدأت..
بعد اتفاقيات الهدنة بين دولة الاحتلال مع مصر والأردن عام ١٩٤٩ وأصبحت الضفة الغربية تحت إدارة أردنية وقطاع غزة في الجنوب تحت إدارة مصرية،ظنت دولة الظلم أن القتال توقف وأنها تستطيع الآن أن تبدأ للتأسيس لدولة مستقرة. لكن هيهات فدولة ارتقت سلالم الدم وقامت على جماجم أصحاب الأرض لن تنعم بالأمن والأمان يوما.
ففي خمسينات القرن العشرين ظلت الأرض الفردوس المفقود هاجس الكثيرين ممن هجروا قسرا بعد ارتكاب مئات المجازر من قبل عصابات الغدر اليهودية والتي كانت تقتل تحت شعار الغاية تبرر الوسيلة.
وقتها قامت المخابرات المصرية العسكرية بتكليف بعض الضباط عام ١٩٥٣ لتنظيم الفدائيين.وبدأت بعدها عمليات التسلل المنظم من قبل شبان فلسطينيين عبر الحدود مع غزة حيث قاموا بعمليات مثل تفجير أنابيب المياه في العمق اليهودي وقصف مسارات القطارات وغيرها من العمليات التي أرهبت الدولة الوليدة لدرجة أن اليهود امتنعوا عن القيادة ليلا على الطرق الرئيسة في الجنوب. وعندما أعيت هجمات الفدائيين جيش الاحتلال لجأ الأخير إلى الأعمال الانتقامية.
ففي خريف ١٩٥٣ وبسبب عملية فدائية قتل فيها ثلاث أشخاص فقط اختار المتطرف شارون قرية قبيا الفلسطينية للانتقام من المقاومة وقتل ما لا يقل عن تسعة وستون شخصا معظمهم من النساء والأطفال وقد أدان مجلس الأمن الغارة بشكل صوري فقط.
وقد أصبحت مكافحة المقاومة الفلسطينية الهدف الرئيسي للشاباك اليهودي ودائما ما كان مسرح العمليات الأصعب هو قطاع غزة نظرا لأنه أحد أكثر المناطق كثافة سكانية في العالم وخاصة بعد حرب ٦٧.
وفي عام ١٩٧٠ بدأت دولة الاحتلال بإقامة مستوطنات يهودية في القطاع. وفي هذه السنة تحديدا نفذت المقاومة حوالى خمسمائة عملية في القطاع فبدأ شارون وكان قائد القيادة الجنوبية بإدخال المزيد من الوحدات العسكرية إلى القطاع بمساعدة الشاباك بهدف مطاردة واعتقال أعضاء المقاومة. وكان شارون وقتها قد أعلن أمام ضباطة أن من يقتل “إرهابيا” ويعني فلسطينيا من المقاومة سيحصل على زجاجة شمبانيا.
فلا عجب مما يحصل في غزة الآن منذ بداية عملية طوفان الأقصى ٧ اكتوبر من قصف جنوني وعشوائي للمدنيين واستهداف للكوادر الطبية والصحفيين وكوادر الدفاع المدني فنتنياهو يسير على نهج شارون وديان الذي قال قولته المشهورة ( نحن جيل الاستيطان وبدون الخوذات الفولاذية وقذيفة المدفع لن نتمكن من زرع شجرة أو بناء منزل)..
وقد سمعنا التصريحات التي أدلى بها بعد توعده باجتثاث حماس ومقاومتها من غزة غير أنه أخفق. وبعد كل إخفاق له ولجيشه الأسطوري ومن خلفه البارجات الأمريكية في قطاع مساحته لا تتجاوز ١٤١ ميلا يكون الرد ارتكاب المزيد والمزيد من المجازر الدموية وهدم المنازل على رؤوس ساكنيها.
وكلما أثبت القطاع بأنه كبير بمقاومته وصمود أهله وتمسكهم بكل ذرة تراب فيه كلما ازداد جنون نتنياهو بإنزال حمم فشله على الأطفال والنساء وكما زايد شارون من قبل على رأس كل فلسطيني مقاوم بزجاجة شمبانيا يزايد اليوم نتنياهو على مئات الرؤوس لكن لا شمبانيا اليوم ولا شيء غير الانتحار لجنوده والفرار المخزي من أرض المعركة والخسائر التي تقدر بالمليارات.
أما غزة فستبقى الشوكة العالقة في حلوقهم ومن يواليهم ومن يظن بأنها ستنكسر فليعد حساباته.