من الذي يسيطر على جيش دولة الاحتلال ؟ وبالتالي من الذي يتحكم بمسار الحرب؟ من المعروف أن دولة الاحتلال دولة هجرات ،وقد فشلت على مدار عقود من دمج الشتات بالطريقة المثلى. وهذا ما يفسر المواقف المختلفة لليهود أنفسهم من ثقافتهم.
فالحريديم( المتدينين) يرون أن ثقافة الدولة فارغة كونها غير مشحونة بتوراتهم ووصاياهم الدينية، وفي المقابل فالعلمانيين الذين يحملون الثقافة الأوروبية ويفاخرون بها ينظرون إلى الحريديم على أنهم متخلفون.
مع العلم أن قيام دولة الاحتلال لم تكن لتقم لولا هؤلاء العلمانيون. فالمشروع الصهيوني مشروع علماني متمرد على الدين سعى بالأصل إلى تحرير اليهود من السيطرة والاضطهاد في أوروبا بإنشاء وطن قومي خاص بهم.
إلا أن هذا المشروع “الصهيوني العلماني” كان بحاجة إلى الأساطير الدينية المستقاة من الكتب الدينية اليهودية لإثبات ملكية الأرض من أجل استيطانها.
وقد تأسست علاقة الدين ودولة الاحتلال عشية الإعلان عن قيامها،ضمن اتفاق “الوضع القائم” وقد تضمن هذا الاتفاق الحفاظ على مكانة الدين اليهودي وتعاليمه في الدولة الوليدة.وكان هدف “بن غوريون”.
ضمان تأييد المتدينين لقرار التقسيم وعرض موقف موحد لسكان فلسطين من اليهود. غير أن هذا الاتفاق لم يتطرق لموضوع الخدمة العسكرية للمتدينين لأن الدولة كانت علمانية يسيطر عليها أشكناز أوروبا ويشكلون الأغلبية فيها.
وقد أعفت القيادة الصهيونية وقتها شباب الحريديم من الخدمة العسكرية بقرار من بن غوريون، والسبب أن طلاب المدارس الدينية يخدمون الدولة من خلال دراستهم لتوراتهم. وقد كان بن غوريون وقتها يظن بأن الدولة سوف تتطور بحيث يتم تحييد الدين ،حفاظا على علمانية الجيش.
ومع صعود الليكود عام ١٩٧٧ رفض المتدينون الخدمة في الجيش لنفس السبب السابق وهو تعلمهم لما يسمى بالتوراة في مدارسهم. غير أنه وفي عام ١٩٩٨ تزايد الضغط الشعبي من أجل تجنيد هذه الشريحة والتي كان عددها قد وصل ٣٠ ألفا.
وظلت الحكومة في عملية شد وجذب في هذه المسألة إلى أن ظهرت تطورات جديدة على هؤلاء الحريديم المتدينين أبرزها الزيادة السكانية ،فلم يعد أكثرهم يرفض الخدمة في الجيش.
وقد أظهرت تقارير عبرية أن المؤسسة الدينية العسكرية بدأت تهيمن على شعبة التربية المعنوية في الجيش حيث أن الخطاب الديني تغلغل في هذه الشعبة واعتبار أن خدمتهم تمثل خدمة الرب على حد قولهم.
وبهذا بدأت الصهيونية الدينية تمتد وتتوسع لتشمل هذا المفصل المهم من مفاصل الدولة. والذي كانت نواته قبل قيام الدولة عصابات ضمت أشكناز أوروبا.
فانتشر في الجيش ضباط يضعون “القلنسوة” والتي تسمى “الكيباه أو الكبة” تدل على أن مرتديها متدين وينتمي إلى ” الصهيونية الدينية” وحسب معتقداتهم التلمودية وما جاء فيها” قم بتغطية رأسك حتى لا يكون غضب السماء فوقك”.
وحكومة نتنياهو اعتمدت منذ بداياتها ولا زالت على الأحزاب الدينية الحريدية بشكل خاص.
واليوم في حربها على غزة ها هو بنيامين نتنياهو في ٢٥/أكتوبر يستدعي ما يسمى بنبوءة “إشعياء” لمواصلة حرب الإبادة على قطاع غزة حين قال” يجب أن تتذكروا ما فعله عماليق بكم” وهذا ما ورد في سفر صموئيل الأول” اذهب وحارب عماليق، اقض عليهم قضاء تاما هم وكل ما لهم، لا تشفق عليهم ،اقتل جميع الرجال والنساء والأطفال والرضع، واقتل ثيرانهم وغنمهم وجمالهم وحميرهم وحاربهم حتى يفنوا”.
بالفعل هذا ما حصل ،فالجيش يطبق هذه التوصية بل ويضيف عليها من فاشيةوحقد حاخاماتهم. وهنا نجد الحاخام فانيس فريدمان يرفض وسم أخلاقيات الحرب بالغربية ويطلق عليها “قيم توراتيه” أو “الطريقة اليهودية”. وقال الطريقة الوحيدة لخوض حرب أخلاقية هي الطريقة اليهودية ” دمر أماكنهم المقدسة واقتل رجالهم ونسائهم وأطفالهم ومواشيهم”.
كما وأنه مع بداية الحرب على غزة تطوع المئات من المتدينين الحريديم للقتال بالرغم من أن قانون التجنيد كما ذكرنا لا يلزمهم بالخدمة العسكرية كونهم يكرسون حياتهم في المدارس الدينية لتعلم توراتهم.
واستعانت دولة الاحتلال بحاخاماتهم على جبهات القتال لتحميس الجنود وحثهم على القتل والانتقام من الفلسطينيين. ومن هنا نجد أن الصهيونية الدينية التي تعتمد على الأساطير والخرافات تحشد أدمغة الجنود وتهيج مشاعرهم لقتل الشعب الفلسطيني بمباركة إلههم الفاسد “يهوه” الذي يسبونه مرة ويتمسحون به متى ما تطلبت الحاجة.